نوكيا الفنلندية حتى وقت قريب كانت من الشركات الرائدة في صناعة الجوّالات بمختلف أنواعها، لقد كانت اسمًا صعبًا بحق وكانت تكتسح المنافسين في السوق بمنتهى السهولة، منافسين من أمثال سامسونج وإل جي كانوا في المراكز التالية لنوكيا في أغلب الأسواق حول العالم، لكن هذا اختلف كثيرًا في السنوات العشر الأخيرة مع توقف الشركة من التأقلم مع السوق مثلما فعلت الشركات الأخرى، أو ربما الأصح أن يقال أنّها تأقلمت متأخرة في الوقت الذي تصدرت فيه الشركات الأخرى الأسواق.
يرجع تاريخ نوكيا إلى سنوات عديدة مضت – قبل عام ١٩٠٠ – حيث كانت وقتها شركتين منفصلتين الأولى متخصصة في إنتاج المطاط والأخرى في إنتاج الكابلات، كان ذلك عام ١٨٦٥ تقريبًا، ثم حدثت العديد من التطورات – لا داعي لذكرها – أدت إلى اتحاد هاتين الشركتين ثم انبثق عن هذا الاتحاد قسم صغير للاتصالات في الشركة، ثم انعزل هذا القسم ليصبح أحد الأقسام الرئيسية في الشركة ويسفر عن أول هاتف خلوي أواخر الثمانينات من القرن الماضي.
تلى ذلك فترة من الازدهار في قسم الاتصالات بنوكيا، حيث اشتهرت هواتفها الخلوية وكانت مبيعاتها تكتسح العالم كله مع منافسة قوية من موتورولا الأمريكية، وكانت الأخيرة مسيطرة على السوق الأمريكي بينما نوكيا كانت العلامة التجارية المفضّلة للمستخدمين في باقي أنحاء العالم، حتى أنّ أغلب مستخدمي الشركة كانوا يعرفون بأصلها الفنلندي وأتذكر تحديدًا سؤال المستهلك – هنا بالسوق المصري – عن هاتف نوكيا ذو الصناعة الفنلندية.
في هذا الوقت كانت سامسونج مثلاً تتحسس سوق الهواتف الخلوية وكانت منتجاتها سيئة السمعة مقارنة بنوكيا، على الأقل في السوق المصري الذي عاصرته في ذلك الوقت. بينما لم يكون هناك وجود فعلي لشركات مثل إل جي واتش تي سي وغيرها من الشركات، أمّا الشركات الصينية وقتها فحدّث ولا حرج، ويكفيني أن أخبرك أنّ من يحمل هاتف صيني وقتها كانت تسوء سمعته هو شخصيًا!
ثم بدأ عصر الهواتف النصف-ذكية إن صح القول، وكان مصدرها الرئيسي قارة أمريكا الشمالية عبر عدد من الشركات المغمورة – بالنسبة إلي – عدا بلاك بيري التي كانت الأشهر في هذه الفترة، والتي يمكن تأريخها بفترة ما قبل الآيفون.
أبدعت بلاك بيري في الفترة هذه بتقديم هواتف يمكنها القيام بأكثر من وظيفة الاتصال، وظائف كانت تهم سوق الأعمال بشكل رئيسي في ذلك الوقت.. وربما حتى الآن. لا تتخيل وقتها مدى السعادة حول توفر هاتف يمكّنك من الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو بعد إطلاق برنامج BBM وإمكانية التراسل في خصوصية بين مستخدمي بلاك بيري. في ذلك الوقت بلاك بيري – كانت تسمى RIM – امتلكت هذا الجزء من السوق ولم يستطع أحد أن ينافسها فيه منافسة حقيقية.
وبعدها بدأت الأحداث تتسارع أكثر والتقنية تتطور بمعدّل يجعل الشركات في حيرة من أمرها، قبل أن يفاجئ ستيف جوبز الملايين حول العالم بالإعلان عن الإصدار الأول من الآيفون في التاسع من يناير عام ٢٠٠٧، وباعت منه أبل أربعة ملايين نسخة عند الإطلاق ليكون أول أسرع هاتف ذكي يباع في التاريخ.
في ذلك الوقت كانت نوكيا تحاول مسايرة التطور وإطلاق هواتف ذكية ذات شاشات لمس لكنّها لم تقدّم شيء جديد قط وخاصة نظام التشغيل سيمبيان، وبدا أنّ نوكيا متأخرة عن السوق بسنين ضوئية. وكي نكون منصفين فإنّ أبل لم تربك نوكيا فقط، فهناك شائعات أنّ مهندسي قوقل كانوا يعملون على مشروع هاتف يعمل بنظام أندرويد، وبعد إطلاق الآيفون الأول ألغوا جميع أفكارهم وأعمالهم وبدأوا بالعمل من الصفر على النظام الذي تم تقديمه على هاتف من صنع اتش تي سي.
العتب على نوكيا في هذه الفترة أنّ محاولاتها للتطور كانت بطيئة ويشوبها الكثير من التخبط على الرغم من الإمكانات المذهلة التي كانت تمتلكها الشركة في هذا الوقت. حتى جاء القرار الأسوأ في وجهة نظري من الشركة الفنلندية بالاعتماد على نظام ويندوز فون من مايكروسوفت. أن تراهن على نظام تشغيل تم بناؤه من الصفر في حين أنّ شركتك تتعثر في السوق هي مقامرة خطيرة جدًا، وكان من الأولى لنوكيا مثلًا أن تصنع هواتف تعمل بنظام أندرويد، وإن كانت الشركة فعلت ذلك لكان حالها مختلف كثيرًا الآن.. لكن ما حدث قد حدث.
لماذا كان يجب على نوكيا بناء هاتف يعمل بالأندرويد؟ هناك العديد من الأسباب لكن السبب الرئيسي في وجهة نظري هو احتياج مستخدمي أندرويد لشركة تصنع هواتف ذات مواد تصنيع عالية الجودة وكان هذا متوفر لدى نوكيا، لقد كانت الفرصة متاحة لنوكيا كي تكون “أبل الأندرويد” وتسيطر على السوق وتطيح بسامسونج من القمة، لكن على ما يبدو فإنّ مجلس إدارة الشركة كان له رأي آخر.
لدي تفسير لذلك – يتعلق بنظرية المؤامرة!- وهو أنّ الرئيس التنفيذي للشركة في هذا الوقت “ستيفن إلوب” كان قد عقد صفقة بالفعل بينه وبين ستيف بالمر في مايكروسوفت لتوجيه نوكيا للاعتماد على نظام تشغيل مايكروسوفت مقابل مبلغ مادي، وقد أسفر هذا الاعتماد في النهاية عن استحواذ مايكروسوفت على قسم نوكيا للاتصالات بمبلغ بخس ومن ثم اختفاء علامة نوكيا التجارية.
0 تعليق على موضوع "موت نوكيا.. نظرة في التاريخ والأسباب"
الإبتساماتإخفاء